من المعروف انّ بلاد الكنتول هي بلاد الجود و الكرم , و ارض العطاء , و ارض الوفاء (لوليّ النعم) ... و قد اشتهر اهلها خلال الفترة المعروفة بالـ"عهد السعيد" بحسن الضيافة و اكرام الوفادة و جودة التنظيم , و من عاداتهم في ذلك انهم يوقدون نار الضيف و عابر السبيل نهارا ( في عز القايلة ) و يطفؤونها ليلا اقتصادا في الطاقة ,( هذه الطاقة التي قال عنها البعض انها كانت اثمن من الذهب و الفضة و انفس من سائر الاحجار و اللآلئ , و لا تستقيم الامور و لا تستوي احوال امة من امم ذاك الزمان الا بتوفيرها و التحكم بمنابعها) , فيستقبلون الوافدين ويطعمونهم و يكرمونهم بما لم يعرفه اهل البلاد من البذخ و المبالغة في اسباب الراحة و الرفاه . ثم يبادرون بسؤالهم عن ما رأوه منهم, و يلحّون عليهم في ذلك حتى ينالهم الثناء و المديح حول حسن الضيافة و جودة التنظيم , ثم يمنّون عليهم ذلك منّا قبيحا بتعداد محاسن البلاد و مناقب اهلها و الاشادة بالمجهودات المبذولة و الاحاطة الشاملة و الرعاية الموصولة و المكاسب التاريخية و الانجازات الخارقة للعادة, حتى ان اغلب المؤرخين قد اجمعوا و اتفقوا بأنّ الوافد الى البلاد يندم على قدومه و يكره "النهار الأحرف " الذي وطئت فيه ساقه بلاد الكنتول و يصاب بالفدّة المزمنة من السؤال المزمن حول رأيه في النظام و التنظيم و مدى اعجابه و انبهاره و شعوره بالغبطة و السعادة في "بلده الثّاني".

و من عادة القوم ايضا حين ينزل عندهم الضيف انهم يخفون ما ساء من امرهم و ما فسد من شأنهم و لا يظهرون عيوبهم (على كثرتها) أمامه , شعارهم في ذلك ان "لا مجال بعد اليوم للبيضة التي تقول طق", وهي مقولة تغنى بها الشعراء و المغنون و كتبت حولها الكتب و المدونات و سرى ذكرها عند العامة و الخاصة و في حلقات الذكر و على منابر الخطباء حتى اضحت دستورا للبلاد.
وبخلاف ما ذهب اليه البعض في تفسير ابعاد هذه المقولة المأثورة, فهي لا تعني ان بيض البلاد منزّه عن الشقوق و الكسر, او انه لا يملك حرية الفقس (قبل الاوان) او حتى السيلان على الارض, بل المقصود بها ان لا تقول "طق" و ان لا يسمع الغرباء ذلك, و هذا هو الاساس....
و في زمان تقتتل فيه الامم اقتتالا شديدا و تشنّ فيه الحروب كل يوم و كل ساعة من اجل مصالح و مطالب مشروعة احيانا و غير مشروعة في اغلب الاحيان ,تحرق بلاد الكنتول نفسها ( كما الشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين الطريق) و يحرق ابناؤها انفسهم في البحر افواجا افواجا , يرمون بشبابهم لمهالك البحر و لا يردهم عن ذلك شيء ...
فمن غريب امرهم انهم لا يولون اهمية لأفعالهم و لا يقدّرون انفسهم حق قدرها , فلا يعتدّون بقدراتهم و لا يعبؤون بأنفسهم و بمصالحهم , هاجسهم الوحيد هو تلميع الواجهة و إرضاء الجميع ... فهم كالمرأة الجميلة التي لا ترى نفسها الا في اعين الآخرين و لا تعيش الا لإعجاب الناس و باعجابهم ... و قد شبّه احد المؤرخين العرب (و اظنه ابن خلدون الواقف دائما في شارع بورقيبة) بلاد الكنتول بالغانية , " فهي بين الأمم كالغانية التي تتجمل لتخفي عيوبها , و تبرز مفاتنها لعابري السبيل و تقد خدماتها بمقابل و بدون مقابل , و لم تبلغ ارض من بلاد الاسلام مبلغ قوم الكنتول في الضعف و قلة الشأن و الحيلة , الا انهم ماضون في غيّهم, فهم كالعجوز اللي هازّها الواد ( جنوب البصرة) و هي تقول العام صابة" ...
أما في اقصى اقاصي الارض, و في بلاد الصين , بلاد النهر الاصفر , حيث تعيش اكثر الامم عددا , فلكرم الضيافة معآن اخرى, فهم يعملون وينجزون المستحيل من الاعمال , و لا يسألون في ذلك جزاء او شكورا, و لا يؤمنون بأن من لم يفلح له أجر واحد, فهم من الكفار (و العياذ بالله) , فيجتهدونقصد الاصابة و لا ينتظرون اجرا من أحد, ...
الا انهم لا يعتبرون بالمشاركة... و يعتبرون افتكاك الميداليات من الضيوف من كرم الضيافة, فلا يفترون و لا يشترون الحكام, و لم نسمع (كما تعودنا) باشغال و شوانط و مرمّة في النزل, بل سمعنا و رأينا كيف يفوز شعب الصين ... بالضربة القاضية
