بقية
الجزء الاول:
قلت انو العرب احسّو بوقع صدمة قاسية , مثّلت قطيعة (ابستيمولوجية) و نقلة (معرفية) مطلقة , من مفهوم الحرقة الجغرافية الى مفهوم الحرقة المرتبطة بالعامل البشري الانساني , فاللي يحرقو عادة في بالهم ماشين لبلاد ما خير (اي خير من بلدانهم الاصلية) لكنهم في الواقع مخلّين الشمس و البحر و الطقس الجميل المعتدل و ماشين لبلدان الثلوج و الضباب و الغيوم على مدار السنة. و هاذي حاجة ماكان يفيق بيها حد لأنو طبيعة الحياة و الفرص اللتي تتيحها في اوروبا و امريكا تغطّي على سوء الظروف المناخية و العوامل الطبيعية, و في نفس الوقت ما ينجّم حد يستمتع بالحياة في بلدانهم لانو فمة عباد - ربي يهديهم - مسخّرين حياتهم لحرمان البقية و سد كل الابواب و المسالك امامهم و تدوير خواطرهم بشكل متواصل , ما خلاولهم شيء الا خيار الحرقة... فيحرق البعض (ساعات مرغم) و لسان حاله يقول ليس بالطقس وحده يحيى الانسان .
نرجع للقصة,
في الاثناء, و اثناء تفتيش الارث اللي خلاوه النازحين للمريخ , تمكّن بعض العرب من العثور على اوائل السفن الفضائية القادرة على السفر بين الكواكب...
و في المركبة التونسية المسمّاة -
ت-ل-7-, ("
ت" اي تونس و الـ "
ل" ترمز للامبادوزا الجزيرة الايطالية المعروفة في القرن العشرين بقبلة الحرّاقة, اما الـ "
7" فهي رمز كبير و عريق للتوانسة, و ما فماش شكون يعرف اصله الدقيق, البعض يظن انو يعود للحضارة الفينيقية , و البعض الآخر يظن انو جاء مع الاسبان , او خلاه لويس التاسع خلال حملته الصليبية على البلاد في القرون الوسطى...و فمّة حتى شكون يمشي في اتجاه الاصل الديني المقدّس و يحيلنا على ليلة القدر اي ان هذا الرمز نزل ليلة القدر و قد اتى ذكره في القرآن و العهدة على اهل الذكر من المشايخ و العلماء
).
في هذه المركبة قررت مجموعة من الشباب الحرقة الى المرّيخ لحاقا بركب الحضارة. فحضّرو لوازم الرحلة من مازوط ليبيا(1) و شكاير الخبز و الكسكسي و المقرونة و حكاك الطماطم و الهريسة و التن و السردينة, و ستوك ضخم متاع معسّل و جيراك و شيش من الجيل الثالث(2)... و قصدو ربّي.
تعدّت الاشهر الاولى متاع الرحلة لاباس, الشاب حسني يغنّي, التاي يطيب في البرّاد, الشيشة تقرقر, و الجماعة ليه ليه يلعبو في الكارطة, ما حسّوش بالوقت تعدّى.
بعد 15320 طرح شكبّة (بو 21) و 21500 طرح رامي و 3 ملاين مانش بولوط, تهرّات الكارطة بين ايديهم و بدات تظهر عليهم علامات القلق و الفدّة.
قام واحد منهم سكّت الكاسات ... و عيّطلهم الكل قدّامو
"ايّا تصلّيوش على النّبي يا جماعة"
(الجميع بمن فيهم الزبراطة و السوكرجية) : "صلّى الله عليه و سلّم"
"سألناش ارواحنا , فين ماشين؟ علاش حارقين؟؟ فماش شكون خمم , شنوة يستنى فينا لغادي؟؟ ياخي سكّان المرّيخ زعمة يفرحو بينا ؟؟ بالكشي يبعثولنا صاروخ مازلنا في السماء؟؟ وحيّد لا يقرأ لا يكتب يمشينا طروف, و الا بالكشي يهزولنا طول للحبس و يعاودو يبعثونا اكسبيرسي؟؟ شكون قال اللي باش نسلّوكها لغادي ؟؟"
(الجميع , بعد لحظات من الصمت):
"ايه و الله بالحق"
"لا ماهو يهزّونا للحبس و مبعد يعطونا مهلة باش نروّحو و احنا و قتها ندبّرو روسنا"
"صحيح, فمة شكون حكالي على ناس بكري كانو يستغلو المهلة هذيكة باش يدبّرو مرا يعرّسو بيها و الا يخدمو في النوار حتاش تحلّ ايطاليا الاوراق"
الأول: " ايه باهي , لو فرضنا اننا دخلنا لغادي و قعدنا, زعمة نجّمو نخدمو و نقدّو ارواحنا؟؟ هاذي بلاد كيما في "ستارتراك" و فيلم حرب النجوم, كل شي اوتوماتيك , و الكمبيوتر هو الكل, و احنا عباد متاع بالة و مسحاة و بيوش, كيفاش باش نخدمو و اش باش نخدمو؟"
فسكت الجميع, و بداو يخزرو لبعضهم , فيهم شكون تفكّر روحو , و ندم على سنوات الهملة و الضياع , و تمنى لوكان قرا على روحو... و فيهم شكون تفكّر امّو , حسّ بالحنين للمرمز و الجلبانة متاع امّو, و حسّ بالدمعة تسخن في عينيه...
قام واحد كان شادد التركينة, طوال الرحلة وهو ساكت , عمرو ما حل فمّو و لا شرب و لا غنّى معاهم و لا حطّ الكارطة في ايديه , و ظاهر اللي عمرو ما استعمل الجوتابل:
" بسم الله الرحمان الرحيم, ايّها الاخوان , اخنا وقت اللي قررنا السفر , توكّلنا على ربّي , باش نهجّو من الظلم و الاستبداد , و نهاجرو من بلاد الفتن و الكفر و الطغيان, و عندما يكثر البغي و الظلم في البلاد و تقوى شوكة اعداء الله, علينا بالهجرة كيما عملو الصحابة الميامين و سيد الاوّلين و الاخرين عليه افضل الصلاة و اتم التسليم"
الجميع:
" عاد انتي تحكي على الكفر و انتي ماشي لبلاد الكفار"
" ايه بالحق انتي ماشي لبلاد الشراب و البيرة و لحم الحلوف و الزنا و الفواحش و الموبقات السبعة"
صاحب اللحية: " فعلا , وهذاكة علاش فرض علينا الجهاد, يلزم نفتحوها البلاد هاذي و ندخلولها الاسلام بالقوة كان لزم, فالجهاد فريضة , و مادام فمّة بلاد لم يطرقها الاسلام وجب علينا كمسلمين فتحها كما فتحت فارس و خراسان و بلاد الروم و افريقية و الاندلس"
واحد زبراط ( يعرف السيّد الملتحي منذ سنوات و كانو اصدقاء في الحومة و جمعتهم قعدات و اجواو كبيرة):
" ههه اسمع منو الوحيّد , بالله قلّي يا اندلس, احنا توّة ماهو طايرين في المجموعة الشمسية ؟؟"
صاحب اللحية : "ايه"
الزبراط:" قلي كي تجي باش تصلّي , كيفاش تعرف القبلة منين؟؟؟"
صاحب اللحية: " اعوذ بالله و استغفر الله, ماهذا الجهل , الله موجود في كل مكان و اذا غابت عليك القبلة فقبّل حيث شئت, و اينما تولو وجوهكم فثمة وجه الله"
الزبراط: "باهي يا جماعة اسمعو هاذي, هاو باش نسألو, ايا سيدي انتي ماهو تقول بروحك في الدين و الفقه , شنوة اللي تم انزاله ليلة القدر شنوة اللي اتى ذكره في سورة القدر ؟؟؟تتطلعشي الـ7 اللي تحكي عليها الناس لكل ؟؟"
صاحب اللحية :" لا ايها الجاهل , موش السبعة , هذاكة السائد و اللي تتداول فيه العامة, المقصود هو الكسكسي , الكسكسي باللحم , كيف نرجعو للتاريخ نلقاو انو ناس بكري كانو يطيّبو الكسكسي في الليلة الـ27 من رمضان و يتصدقو بيه , و احنا من واجبنا الاقتداء بالسلف الصالح , وهي سنة حميدة يلزم نحافظو عليها"
الزبراط: " هههه يزّيك يا راجل من التدجيل على العباد , و انتي على ما يبدو ما تفهم كان في الحروبات و الفتوحات و التكفير و التحريم, ساهلة هي الامور هاذي ؟؟
يعاود الأوّل يسأل الجماعة : " ايا شنوة قررتو توة؟؟ نكمّلو و الا نروّحو , الحكاية راهو حامضة شوية و ممكن ياسر تطلع قرعة, و انا من راأيي نروّحو, و ندبّرو روسنا في بلادنا و مولاها ربّي"
الجميع:
"دبّر على روحك"
"برّة **** يعطيك *****"
"رابحين خاسرين ماناش مروّحين "
"ماحاسب نقطع رقبتي تحبني نرجع "
"لعن الله المنافقين ممن يعطّلون الفتح و الجهاد"
تحبّ تروّح ؟؟؟ ايا برّة روّح""
و دارو عليه و شدوه ربطوه و طيشوه البرّة مع الفضلات ...
بعد عشرين سنة من الاحداث السابقة:
نشرة الاخبار في فرانسا متاع المرّيخ:" .... تم اعتقال عدد من اعضاء حزب "المرّيخ للمريخيين ", المتهمين بتعذيب و قتل المهجرين العرب, و خروج نصف مليون مهاجر في مظاهرات حاشدة في شوارع باريس (الجديدة)"
---------------------
(1) مازوط ليبيا المقصود بيه هنا هو الوقود النووي المطوّر اساسا للسفر عبر الفضاء في الجماهرية العظمى , الا انّ التسمية المذكورة بقيت تعتمد لتسمية كل انواع الوقود منذ ظهور و ازدهار حضارة بن قردان العريقة.
(2) اي الشيشة اللي تشعل وحدها من غير ولعة و من غير فحم