عام 1999 مثّل مرحلة مهمّة في حياة كلاندستان, و كان منعرج كبير في تكوين شخصيتو و نحت مقومات الهوية متاعو و فهمو للواقع فهم صحيح... فالعام هذاية كان موعد طالما استناه الكلاندستان و علّق عليه آمال كبيرة ... (و لكن كيما قال الشاعر هيهات هيهات على الانتخابات و على الديمقراطية امسح مات... الى آخر القصيدة)
عمرو وقتها 23 سنة , اي انو بلغ السن الرشد القانونية اللي تخوّلو القيام بواجبو الانتخابي و ولوج الخلوة و رؤية صندوق الاقتراع مباشرة لأول مرة في حياتو...
و كأي مواطن في بلاد ديمقراطية حريص على حقوقو و واجباتو , سعى باش يرسّم نفسو في قائمات الناخبية , وذلك بالالحاح و التلحليح و شدان الصحيح , و المشيان و الجيان على الدائرة البلدية اللي يرجعلها بالنظر , و برشة عرك وكر و فر مع الاعوان اللي يقيّدو في العباد بالمزيّة ... قبل الموعد الانتخابي بنهارين , تحصّل الكلاندستان على بطاقة الناخب... و كانت فرحة كبيرة و شعور لا يوصف بالنخوة و الاعتزاز... أخيرا الكلاندستان باش يشارك في تقرير مستقبل البلاد... و ربما يكون صوتو حاسم في تغيير حياة الاجيال القادمة... و شكون يعرف بالكشي يغيّر مسار التاريخ..هه
أيّا جاء اليوم الموعود.
قام الكلاندستان بكري على غير العادة, حجّم وجهو على غير العادة, تفقّد اوراقو , بطاقة التعريف بطاقة الناخب و التأجيل متاع الخدمة العسكرية ( شكون يعرف على البلاء)... و قصد ربّي
في ثنيتو تعدّى على القهوة ( بحكم العادة - كلب بافلوف), يلقى اخوان الصفا ناصبين الشيشة على الصباح ( الأرجح انهم بايتين لغادي) ... صبّح عليهم و شرب قهوتو على الكنتوار.
- أيا كلندو ايجا اقعد
- لا لا عندي ما نعمل ... (و بكل فخر) ماشي ننتخب
- اسمع منّو الوحيّد ... يا ولدي فكّ عليك مالهدرة الفارغة و ايجا هاو باش نشكّلو لعبة بيلوط...
- تي نورمالمون لكلم تمشيو تصوتو, الانتخاب راهو حق و واجب على كل تونسي
(برشة ضحك و صياح تجلب انتباه بقية حرفاء القهوة اللي يشاركو في التعليق)
- شكون قالك اللي احنا توانسة ؟؟
- ردّ بالك تمشي باش تصوّت يشدّو يسوّطوك لغادي
واحد آخر - اللي يصوتو كان الجبورة ...
واحد حاطط الجباد في فمّو - ياخي ليوم هي الانتخابات ؟؟
واحد متثقف - اللي قال بلادي و ان جارت علي عزيزة ما فيبالوش فمّا بلاد كيما بلادنا...
شيباني متقاعد - ايا احشمو عاد , ماهو قالك وكري وكري و لو على عود يابس
المتثقف - صحيح .... عود يابس
يخليهم الكلاندستان و يمشي لمكتب الاقتراع.
يلقاها حضبة هي بيدها , بوليسية في الباب يثبّتو في الماشي و الجاي ( ايه اشبيه ... ماهو لازم النظام باش تمشي الديمقراطية , ياخي ساهلة هي ...) و في القاعة لداخل يلقى طاولة وراها 4 من الناس , واحد لاهي بالماسوات و واحد لاهي بالأوراق الملونة و واحد لاهي بالدفتر متاع الامضاء و الآخر يعسّ على الصندوق ....و حكاية عشرة من الناس وجوههم حاشا خليقة الرحمان شاديين الحيط ( هذومة أكيد المراقبين الدوليين اللي يحكيو عليهم , شي كبير هاذي الديمقراطية و الا لوّح ).
سلّم الكلاندستان و تعدّى على الطاولة كيما يعملو في التلفزة , و هزّ من كل لون ورقة و ماسو و دخل للخلوة... نسيت باش نقلكم اللي السيّد قدّامو -صعّب عليه المهمة- و هزّ الوريقة اللي على لون المنتخب و حطّها في الجواب و قبل ما يحطو في الصندوق تلفّت للحاضرين يتبسّم على جنب , و قعد هكاكة كيما يعملو الرؤساء و الوزراء زعمة زعمة يستنى باش تصورو الصحافة.
الخلوة عبارة على قطعة قماش كحلة معلقة في الحيط تغطي الشخص الواقف وراها لكنّها فضفاضة على الاجناب... بحيث كل حركات الإيدين و اختبيار الورقة و ادخالها للظرف تتم تحت انظار الجميع و خاصة المراقبين الدوليين ... فاق الكلاندستان بروحو قاعد يصوّت على المباشر , تحت انظار الجميع ... دخل بعضو ... فيسع حط الاوراق الفاضلين في جيب السروال و خرج يمسح في العرق ... مهبّط عينيه في القاعة باش يتجنّب النظرات القاسية متاع الحاضرين... و حس بروحو عمل عملة كبيرة , حس بروحو مجرم ... متلبّس... خائن , ... ارهابي ... حسّ بالغربة... باليأس... بالقلق... بالرعب... بالعجز... حاصيلو الأحاسيس الكل حس بيها في لحظتها, و اللي نجّم نلخّصها في الشعور بالذنب.
فيسع حشا الجواب في الصندوق... مدّولو ستيلو , صحّح ... خذا بطاقة التعريف و انطلق...
خرج للشارع... للحرّية... و جبد نفس طويل
ملّى غصرة... ملّى انتخابات ... ملّى عملة كلبة ... مالي و مالهم انا... يربح زيد و الا عمر ... لا تربّحهم...شكون دبّر عليّ ؟؟؟ و الا توة راني نلعب في البيلوط شايخ مع الاولاد... السماح ... و شعفة يا داود
و كانت تجربة الديمقراطية الاولى تجربة مريرة و صعيبة -لا يوريها لحبيب- لكن كيما يقولو المثقفين للديمقراطية ثمن يجب ان تدفعه الشعوب , و يلزم مجهود باش الواحد يتانس و يتعود عليها سينون يحرق حوايجو ...