مقالة للكاتب و الاذاعي المتميّز "عــامر بوعزّة" , اللي نوجّهلو التهاني بناسبة مرور سنتين على تأسيسه لموقع الواب الخاص به وهو موقع محترم يختلف مع سائر مدونات و مواقع الوجوه الاعلامية المعروفة في البلاد بجودة المقالات المنشورة و القضايا المطروحة ...
نظرية المــــوز
على امتداد رقعة زمنية حجمها نصف قرن أو تزيد عشنا معارك ووقائع كثيرة بوجداننا وأحاسيسنا ومشاعرنا وغرائزنا فلم نجن سوى الخيبة والانتظار والمرارة ونظرة نصف متفائلة إلى مستقبل يلوح ويختفي كزورق تائه في اليمّ العميق...فقدنا مُدنا ومزارع وقلاعا وحصونا وهضابا وتلالا ..
فقدنا الإحساس بالزمن ..وارتخت مع الوقت مشاعر الترقّب والتأهب واليقظة..
صرنا ننظر إلى العالم من حولـنا بعينين نصف مغمضتين ..ومن خلال كوّة عجيبة اسمها التلفزيون نؤبّن موتانا بكلمات مبهمة وندعو للمقاومين بالمزيد من الصبر والمكابرة...
معركة واحدة انتصرنا فيها انتصارا بائـنا لارجعة فيه..إنها معركتنا مع الموز..
لقد كان الموز ذلك القضيب الأصفر الذي تتغذى به قردة افريقيا خلال خمسين سنة مضت سلاحا عجيبا يوقظ شهوات الصائمين والنائمين والمثقفين والموظفين.. فتتسابق منذ حلوله في الموانئ مكدّسا في صناديق كرتونية مغلقة طوابير المنتظرين أمام المغازة العامة...
كان الشعب يصطفّ بكل طبقاته ويمتثل لقانون الموز قانون العرض والطلب ولكنه سرعان ما يختفي بعد أن يتوزع بكميات متفاوتة على أصحاب الحظ السعيد..
خلال تلك الفترة العجيبة من عمرنا كانت قشرة الموز حين يلقي بها صاحبها في الطريق تتسبب لمن يسير ورأسه مرفوعة إلى أعلى في حوادث انزلاق عواقبها غير محمودة...
كانت الموزة تُـقتسَمُ بين ثلاثة من أفراد العائلة الواحدة ، أما التلميذ الذي يحمل معه جزءا من قضيب الموز وجبة مدرسية فإنه يضطرّ إلى تناولها خفية في المرحاض حتى لايثير حسد زملائه ونظراتهم النارية الشرهة...
قبل حلول الموز في الميناء تتطاير في الهواء فقاقيع الإشاعات ...
فيجد الناس كلاما يملأون بهم قفاف الصمت.. ويجدون شيئا ذا قيمة يستحق الانتظار...
كان طابور المنتظرين أمام المغازة العامة والسوق المركزية منظرا مستفزا لمشاعر التاريخ والجغرافيا والكبرياء الوطنية والقومية ..لقد قالت أحلام مستغانمي إنها تأسف أن تتغيّر أحلام الأجيال بهذه الكيفية المريعة فقد كان أبناء جيلها يحلمون بالحرية والاستقلال أما أجيال الحرية والاستقلال فقد صارت تحلم بامتلاك الثلاجة والسيارة والتلفزيون أو بالحصول على تأشيرة سفر إلى أوروبا..
وأنا أضيف إلى قولها ..إن أحلام بعض الأجيال لم تتجاوز قضيب الموز الأصفر ..تلك الثمرة الشهية العصية التي رسمت الحدّ الفاصل بين الطبقات..
فمن خرج من الطابور محملا بصندوق كبير دلّ على رفعة مكانته وسط هذه الجغرافيا البشرية المتنافرة..واستحق نظرات هي مزيج غريب من الاحترام والخوف والازدراء..أما من خرج من جهنم الانتظار الطويل بكيس بلاستيكي صغير فقد دلّ على وضاعة مقدرته الشرائية وانتمائه إلى الفئة العريضة من الناس ..الناس البسطاء العاديين الذين تكفي موزة واحدة لإدخال السعادة والدفء إلى بيوتهم وليس أكثر من سهرة واحدة يحضر فيها الموز حتى تعلو الابتسامة كل الوجوه ويغمر قلوب أهلها التفاؤل ويتملكهم شعور قوي بأنهم ما يزالون على قيد الحياة..
الموز كان على مدى خمسين عاما عقدة لاتحـــلّ...
وأزمة نفسية جماعية يحتار في تبريرها أعتى وأمهر الأطباء..
وانتهت إلى الفشل كل المحاولات الرامية إلى إيقاف معركتنا مع الموز في منتصفها وقبل أن تقضي على ما تبقى من آدميتنا...
وفجأة وبدون مقدّمات ..انتهت المعركة..وكما سقطت بغداد في عشية واحدة وتحت أنظار ملايين المتفرجين اكتسح الموز أسواقنا وصار جزءا مألوفا من المشهد اليومي..
صار الموز معلقا في الدكاكين..مصففا على الرفوف..مضطجعا على الموائد والصحون..استقرّ سعره في ما يشبه الدينارين..ومعنى ذلك أنه صار في متناول كل فــم..
لم ينتبه أحد أو يتساءل ...فالإشاعات تراجعت واختفت ولم تتطاير في الهواء كما كان يحدث زمن الحرب الباردة ..لقد صار بإمكانك أن تقتني الموز دون أن تتحدّث عنه أو تتساءل عن مكانه أو المدّة الضرورية لخزنه قبل الاستهلاك..صار كل ذلك المجهود الفكري جزءا من التاريخ الشخصي لكل عائلة وبعضا من ذكرياتها مع الفقر والحاجة والعوز والحرمان..
لم يعد الموز رمز التفرقة الاجتماعية ولاخطا فاصلا بين الطبقات فالموز وصل إلى كل الجهات وصار يباع بأثمان قريبة جدا من أثمان الفواكه المحلية كالبرتقال والإجاص وصار التزود به أيسر من الحصول على نصيب من دقلة النور سفيرتنا في المحافل الدولية والموائد الأوروبية المترفة..
انتهت حكايتنا مع الموز ..ولم ينتبه أحد إلى أن ذلك النصر تحقق بفضل العولمة..
وعلى الذين يناهضون العولمة أن يفكروا قليلا قبل الإصداع بمواقفهم المناهضة ..وأن يقارنوا بين حالهم مع الموز وحال آبائهم زمن السيادة الحدودية التقليدية والحماية الجمركية الستالينية ..زمن جدار برلين..عليهم أن يختاروا بين حالتي الموز واللاموز..بين هذه الوفرة التي يشهدونها بأعينهم وبلمسونها بأصابعهم في الأسواق والحرمان الذي طبع ذكريات طفولتهم خلال نصف قرن مضى..
مـــوزة لكل فــم ...تلك هي العـــولمة..
5 commentaires:
samahni, mon clavier ne contient pas de touches arabes mais j'ai voulu réagir :yatik essaha mothhel ,rae3, du vrai dans tout ce que tu dis .bravo et continue de nous émerveiller
@moghrama:
merci
mais l'article "al mothhel" n'est pas le mien... c'est un article que j'ai trouvé sur le site web d'un mr que j'admire et que je respecte bien
تي شبيك كلندو
توة هي قتلك مغرمة،لازم تبلبزها.. ما تعرفش اتلف ههه
ريقلي أمورك عاد
p:
تستاهل كل خير أخ كلندو هه
سامحوني ما عنديش كلافيا بالسوري ، أما حبيت نقول حاجة ساتو
كلندسينو تا 'جنيال' ، امبروسيونون البوست الي كتبتو
مرسي
عقبال البطّيخ
حلو كي لعسل هالارتيكل حتى و كان يحكي عالبنان المعوج
Enregistrer un commentaire